الأطفال أمانة- بناء ثقافة صحية ووعي للحياة في زمن التحديات

المؤلف: خالد السليمان10.19.2025
الأطفال أمانة- بناء ثقافة صحية ووعي للحياة في زمن التحديات

وفقًا لإحصاءات حديثة ومفصلة صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء لعام ٢٠٢٤، فإن نسبة مُبهرة تصل إلى ٨٢.٣٣٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٤ و ٢٩ شهرًا يتمتعون بنمو سليم ومتوازن في مجالات الصحة الحيوية، والتعلم المعرفي، والرفاه النفسي والاجتماعي المتكامل! هذا الرقم، وإن كان مُفرحًا، إلا أنه ليس بالمفاجئ، ففي هذه المرحلة العمرية المبكرة، يكون الأطفال تحت الرعاية اللصيقة والتوجيه الكامل من جانب الوالدين، الذين يشكلون حجر الزاوية في نمط حياتهم وتطورهم.

يكمن التحدي الحقيقي في المراحل اللاحقة من الطفولة، تحديدًا عندما يبدأ الطفل في اكتساب قدر متزايد من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية، ويصبح له الكلمة الفصل في اختياراته داخل المتاجر والمطاعم المتنوعة. تتفاقم هذه المسألة مع انتشار الهواتف الذكية وتطبيقات توصيل الوجبات والبقالة، حيث يجد الوالدان أنفسهم في مواجهة طلبات غير متوقعة من أبنائهم، وحتى أنهم قد يتفاجأون بمندوب التوصيل يسأل عنهم عند عتبة الباب!

قد يبدو هذا السيناريو ضربًا من الخيال أو نوعًا من التهكم المرير، ولكنه يعكس واقعًا ملموسًا وتحديًا حقيقيًا في ظل التغيرات المجتمعية المتسارعة. فتربية الأطفال في عصرنا الحالي وتوجيههم نحو المسارات السليمة والصحية يزداد صعوبة وتعقيدًا، وذلك بسبب تعدد وتنوع المؤثرات الخارجية التي تتجاوز أسوار المنزل وتخترق خصوصيته.

لم يعد الوالدان وحدهما المسؤولين عن تشكيل شخصية الطفل وتكوين ثقافته. فوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والقنوات المرئية المتوفرة على الهواتف الذكية أصبحت شريكًا مؤثرًا في هذه العملية، حيث تساهم في تشكيل انطباعات الطفل عن الحياة وتوجهاته المستقبلية. صحيح أن الوالدين يظلان المصدر الأقوى للتأثير في الأبناء، إلا أن هذه المسؤولية تتطلب منهم بذل جهد مضاعف وامتلاك وعي أعمق ورقابة مستمرة.

أتذكر تجربتي الشخصية مع أطفالي، حيث اتفقنا على الامتناع التام عن تناول مشروبات الكولا الغازية حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة، وذلك بسبب تأثيرها الضار على نمو العظام. لقد التزموا بهذا الاتفاق بشكل كامل، بل إن معظمهم استمر في تجنب هذه المشروبات حتى بعد تجاوزهم السن المتفق عليها، فقد تحول الأمر لديهم إلى وعي ذاتي وثقافة صحية راسخة!

أشعر بامتعاض شديد عندما أرى أحد الوالدين في مطعم أو مقهى يقدم لطفله الصغير مشروبًا ضارًا، خاصة عندما يكون الوالدان من الشباب المتعلمين الذين يفترض أن يكونوا أكثر وعيًا بمخاطر هذه المشروبات. ويخالجني شعور بالحزن عندما أرى أطفالًا في سن المراهقة يتناولون مشروبات الطاقة من ثلاجات المتاجر دون إدراك لأضرارها على صحتهم، فما بالك بأضرارها على المراهقين! هذا الأمر يدفعني إلى المطالبة بسن قوانين صارمة تمنع بيع هذه المشروبات الضارة للمراهقين بشكل خاص.

إجمالًا، أطفالنا هم أمانة عظيمة في أعناقنا حتى يبلغوا السن التي تمكنهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. ومسؤوليتنا تجاههم تتجاوز مجرد توفير الاحتياجات المادية، بل تمتد إلى بناء ثقافتهم الصحية وغرس الوعي لديهم بكل ما يحيط بهم، حتى يكونوا قادرين على مواجهة تحديات الحياة واتخاذ القرارات الصائبة بأنفسهم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة